التحدي الذي يواجه جميع الايديولوجيات السورية المتنافرة هو إعادة تعريف الهوية والذات كي تبني على المشتركات مع الآخرين بدل أن تبني على مايميزها عن الآخرين. أغلب الجماعات السورية تعرف نفسها بما يختلف الآخر عنها، لا بما تستطيع تقديمه للمجتمع بشكل أفضل. لن ينصلح حالنا مالم تعمل كل جماعة على إعادة صياغة الخطاب والسردية الخاصة بها كي يتمحور حول القيمة المضافة التي تستطيع تقديمها للمجتمع دون أن يضعها ذلك في مواجهة أو تضاد مع أجزاء منه.
للأسف جيلنا يدفع من دمه ثمن فواتير التخلف التي راكمتها الاجيال السابقة منذ القرن الثامن عشر على الاقل....فواتير التخلف لا تسقط بالتقادم بل تتراكم وتتعاظم..
كما ذلك الطفل في إدلب..معظم السوريون ينادون منذ ٦ سنوات " يالله شيلنا.."
تصريحات الزهار ليست فقط مخزية، بل تنم عن فهم منقوص للتطورات المتوقعة في السياسة الدولية وعن ضياع كامل للبوصلة الاخلاقية.
رغم وصول ترامب إلى مكتب الرئاسة من خلال تصويت أغلبية انتخابية له، إلا أنه لا يمكن التقليل أيضا من حجم وقوة الحركات الاجتماعية التي خرجت تحتج على قرارته في الولايات المتحدة وتدافع عن المسلمين الذين دأبت السينما وكذلك أفعال المتطرفين منهم على ترسيخ صورة قاتمة جدا عنهم. التضامن مع المسلمين لم يتوقف داخل حدود الولايات المتحدة بل تجاوزه إلى البرلمان البريطاني والناشطين والسياسيين الاوروبيين. أعتقد أن هذه الاحتجاجات يمكن تشبيهها بحلف الفضول الذي تشكل ضد الظلم في الجاهلية وامتدحه النبي محمد وقال "لو دعيت لمثله لأجبت".
آمل أن تشكل هذه الاحتجاجات صدمة لأصحاب نظرية المؤامرة وللذين يقسمون العالم إلى دارين: دار كفر ودار إيمان وللذين يعتقدون بالتفوق الاخلاقي على الغرب. صدمة تجعلهم يعيدوا النظر في مسلماتهم ومنطلقاتهم ولكي يعيدوا النظر في طريقة تفسيرهم للدين الذي نزل على النبي كي ينقذ الإنسانية من خلال خلق مشتركات بين البشر، لا لكي يقسمهم إلى دار حرب ودار سلم.
جميع الحركات الأصولية (الاسلامية والغير اسلامية) تؤمن بضرورة خلق المجتمع الفاضل والمثالي الذي لا وجود له, لا في الواقع ولا في التاريخ إلا المتوهم منه. مما يجعل دعاة الاصولية نخب منفصلة عن المجتمع وعن الواقع وعن الممكن. والنتيجة بالتالي هي أن أي سعي لتحقيق هذا المجتمع الفاضل يحتاج إلى منسوب هائل من العنف والقتل من أجل ردم الهوة بين النظرية المثالية والواقع المرفوض.
الوقائع تثبت كل يوم وكل مرة بإن السلفية الجهادية لايمكن أن تتفق أو تتصالح مع أحد ولايمكن أن تأتي بخير أبدا. أينما وصلت جلبت معها الخراب والدمار والفتنة والاقتتال الداخلي.
انقضى عام ٢٠١٦ بماله وما عليه. آمل أن يكون عام ٢٠١٧ خير منه لكل أصحاب القضايا العادلة ولكل مظاليم هذا العالم المتوحش. عسى الله أن يسعد قلوب أمهات المعتقلين ويقر أعين ذوي الشهداء ويكرمنا بشهادة بعض من عدالته في حق أعداء البشرية في سوريا والمنطقة.