أجد كتاب الدولة المستحيلة تحفة معرفية وفلسلفية تلخص المفاهيم الاساسية للدولة الحديثة وتقارنها بنظم الحكم الاسلامي ماقبل الحداثي. تلخيص وافي وغير مخل يمكن إدراكه كجهد تأسيسي نستطيع البناء عليه للانتقال لمرحلة البحث عن حلول.
 لا أود في مايلي أن أنقد أو ألخص أو امتدح ما ورد في الكتاب، ولكن أرغب بطرح بعض الخواطر التي راودتني لدى قراءة الكتاب وأود طرحها هنا للتفكر والنقاش:

١) لماذا لم يصدر أي كتاب مماثل مبني على جهد رصين من أي جماعة اسلامية حركية أو علمية أو مشيخية؟ لماذا لم تستطع أي من مراكز الابحاث المنتشرة كالفطريات أن تتبنى عملية بحثية في هذا الاتجاه؟ رغم أن المشكلة السياسية بكافة تفاصيلها (طبيعة نظام الحكم وطريقة انتقال السلطة ومرجعيتها) هي احد الاسباب الرئيسية لواقع العرب المتأزم، إلا انه لا يوجد أي جهود حقيقية للبحث عن حلول مبتكرة تعالج الازمة من جذورها.

٢) هل يمكن تصنيف جميع الاحزاب والحركات الاسلامية التي ارتضت بمفهوم توزيع السلطات في الدولة والاحتكام لصندوق الاقتراع على انها أحزاب علمانية؟ الواقع يؤكد أن هذه الاحزاب تستخدم الشعارات الاسلامية كوسيلة تحشيد وأداة لصياغة هوية، ولكن فور امتلاك هذه الجماعات للقوة الصلبة تتحول من مرحلة الدعوة إلى مرحلة "الدولة بالمفهوم الهوبزي/ شميت". وتصبح مصالح الكيان/ النظام هي النطاق المركزي بدل الاخلاق والدعوة والشعارات الاسلامية. ولنا في إيران والسودان وحزب الله خير دليل. والسبب أن هذه الاحزاب والحركات والجماعات تعتمد فلسفة الدولة الحداثية العلمانية بدون أن تمتلك مشروع خاص ومميز لها، وفي أحسن الاحوال لم تطور شعاراتها إلى مشروع: فعلى سبيل المثال: "الاسلام هو الحل" شعار شهير، ولكن السياسات العملية للجماعات التي تؤمن بهذا الشعار هي سياسات ليبرالية قائمة على مفهوم الدولة الحداثية وواقع العولمة دون أي تميز اسلامي يتعدى الشعارات أو يتعدى بعض السياسات الترقيعية التي لا تنضوي في سياق فلسفي منسجم.

٣) التحدي الرئيسي والجوهري للجماعات الاسلامية بكافة تلوناتها اليوم هو ليس الوصول للسلطة أو مقارعة سلطات الامر الواقع وإنما هو إبداع وإنتاج فلسفة ونظام حكم جديد ينسجم مع واقع الحداثة والعولمة ومتصالح مع العالم، وينسجم في نفس الوقت مع مقاصد الدين الاسلامي وروحه. التحدي يتضمن وضع خارطة طريق للانتقال من المفهوم/ البنية النظرية إلى المفهوم/ المقاربات العملية.
 سياسات التمسك بالقديم كما هو بحجة "الاسلام يصلح لكل مكان وزمان" بدون ابتداع حلول تناسب المكان والزمان بشكل مستمر لن ينتج عنها إلا داعش والنصرة. أما محاولات "أسلمة" المسميات: ديمقراطية إلى شورى، برلمان إلى أهل الربط والعقد، رئيس إلى إمام أو أمير..لن ينتج عنها إلا دولة حداثية علمانية ولكن متغولة ومتوحشة تستخدم الدين لتبرير وتمرير الاستبداد على أنه أوامر إلهية. هل إيران تخرج عن هذا الوصف؟ إيران هي نموذج متقدم للتطبيق العملي لهذا الطريق.

للحديث تتمة...