- التفاصيل
تقدير موقف: المشاركة في جينيف ٢ في الميزان
لم تواجه المعارضة السورية منذ إندلاع الثورة حدثاً اختلفت حوله الآراء والتوجهات مثل المشاركة في المؤتمر المسمى جينيف ٢، والذي تقوم مجموعة أصدقاء سوريا على تنظيمه ورعايته.
كان إجتماع جينيف ١ فكرة روسية تهدف لجمع المعارضة مع النظام على طاولة واحدة بهدف التفاوض للوصول لحل سياسي يؤدي في نهاية المطاف لحل الأزمة في سوريا على اعتبار أنها أزمة بين طرفين. لاقت الفكرة استحساناً غربياً حيث أن الروس والغرب لا يرغبون بانهيار الدولة المركزية في سوريا بالشكل الذي يخلق البيئة المناسبة لنمو وانتشار الكيانات العسكرية الموازية بقوتها وسلطتها للدولة.
فالدولة المركزية القوية وقوات الجيش والأمن حسب رؤيتهم هي من سيتولى مهمة محاربة ونزع سلاح الكيانات والكتائب الإسلامية والتنظيمات الخارجة عن قواعد اللعبة في نهاية المطاف. وبالتالي فإن الهدف من اجتماع جينيف الأول والثاني هو إيجاد حلاً للأزمة السورية وفق رؤى هذه الدول التي تعمل على تنظيم المؤتمر بالشكل الذي يقوم على حفظ وتحقيق مصالحهم الحيوية والإستراتيجية في سوريا. ربما تحقق هذه الرؤى بعض مصالح الشعب السوري أو تؤدي إلى تخفيف نسب القتل ولكن على المدى الإستراتيجي فإن الحل السياسي سيكون مصمماً ليحقق مصالح الدول الراعية للمؤتمر.
هل يتوجب على المعارضة السورية المشاركة في المؤتمر في هذه الحالة؟
دون الخوض في التفاصيل المعلنة لإتفاق جينيف ١ والتسريبات حول ما يتم التخطيط له في جينيف ٢ يمكننا الإنطلاق من قاعدة أساسية: إن أي كيان أو تنظيم سياسي يتخذ قرارته فيما يتعلق بالتعامل مع الأحداث الجارية والإستحقاقات المرحلية في ضوء خطته واستراتيجيته لتحقيق أهدافه وخدمة مشروعه. وبالتالي السؤال الواجب طرحه هو كالتالي: هل المشاركة في مؤتمر جينيف ٢ ستخدم مشروع المعارضة السورية ورؤيتها لحل الأزمة في سوريا؟ من حيث المبدأ فإن المشاركة في أي مؤتمر قد توفر منبراً للتسويق لرؤيا وخطة المشاركين ومشروعهم. ولكن ماهي خطة الإئتلاف السوري المعارض ورؤيته للحل؟
قامت المعارضة السورية منذ مؤتمر القاهرة في تموز ٢٠١٢ بطلب المساعدة العربية والدولية لحل الأزمة في سوريا في تعبير ضمني منها عن العجز عن الحسم السريع بدون الدعم العربي والدولي. وفي نفس الوقت أعلنت في حينها رفضها للتفاوض والحوار مع النظام. ولكن الجهات التي يتوجب عليها مساعدتنا كمعارضة سورية صرحت ووضحت أن رؤيتها لحل الأزمة تمر عبر التفاوض مع النظام والمحافظة على الجيش والأجهزة الأمنية والعمل على إعادة هيكلتهم في مرحلة لاحقة. وبالتالي فإن المعارضة السورية تقف منذ ذلك الوقت أمام خيارين: إما القبول بالشروط الغربية والإذعان لمطالبهم مقابل الحصول على دعمهم لحل الازمة بالطريقة التي تحقق رؤيتهم. أو العمل على إمتلاك أوراق قوة تسمح للمعارضة بالتفاوض على الحصول على الدعم الخارجي من دون تقديم تنازلات إستراتيجية خطيرة. فماذا قدمت المعارضة السورية منذ ذلك الحين في سبيل تحقيق رؤيتها؟
المتابع لتصرفات وتصريحات قيادات المعارضة السورية يجد أن المشروع الوحيد للمعارضة كان ولايزال هو التعويل على التدخل الخارجي، حيث لا يوجد أي خطة بديلة لإسقاط النظام أو للإنتصار للثورة لدى المعارضة سوى الإستعانة بالمجتمع الدولي ممثلاً بالغرب الذي وضعوا كل بيضهم في سلته. خلال أكثر من عام بعد مؤتمر القاهرة فقدت المعارضة السورية في الخارج ممثلة بالإئتلاف والمجلس الوطني أغلب نقاط قوتها بدل أن تعمل على تدعيمها، كما فقدت سندها الشعبي، حيث أن الداخل السوري لم يعد يرى فيها الكفاءة والأهلية لتمثيل الثورة والمعارضة. كما أن الخارج أصبح يضع الخطط ويقوم بصياغة الإتفاقات ويطلب من المعارضة السورية الحضور كشهود لوضع ختمهم فقط. وبالتالي فإن الذهاب للتفاوض في ظل غياب الرؤيا والمشروع وبدون إمتلاك لأي عناصر ضغط حقيقية سيكون أشبه بعملية الإستسلام والتشريع لما سيقرره المنظمون للوفد المفاوض. كما أن عدم الذهاب إلى جينيف ٢ سيدفع بالدول التي رعت عملية تشكيل الإئتلاف على أنقاض المجلس الوطني للعمل على تشكيل جسم جديد على أنقاض الإئتلاف كي يحقق لها ما لم يحققه الأول.
وبالتالي لا يوجد حل سريع لأزمة المعارضة السورية اليوم وإنما يتوجب عليها ممثلة بالإئتلاف السعي لإمتلاك عناصر القوة والضغط من خلال مايلي على سبيل المثال لا الحصر:
- وضع الخطط والرؤى الكفيلة بإسقاط النظام بالإعتماد على القوى الذاتية والموارد المتوفرة من أجل التحرر من التبعية والإرتهان للإرادات الخارجية، وبالتالي السعي للإنجاز المتواضع والبطيء اعتماداً على ماتوفر من موارد بدل سياسة الإنتظار والتعويل على الخارج. وهذا لا يعني أبدا إستعداء الآخرين وإنما الإستعانة بهم من خلال التعاون والبناء على المصالح المشتركة، فمن يرغب بالتفاوض عليه إيجاد البدائل وكذلك إيجاد مساحات المصالح المشتركة للتعاون مع الآخرين. وهذا بدوره يتطلب الإستعانة بكفاءات إدارية وإستراتيجية قادرة على إستكشاف البدائل وصياغة الحلول وصناعة التوافقات وإدارة المشاريع.
- زيادة العمق الشعبي للمعارضة الخارجية من خلال التواصل الفعال والمستمر مع الكتائب الكبرى والفعاليات المدنية والمجالس المحلية الحقيقية، ومن خلال إشراك مكونات الداخل في مشروع تحرير حقيقي يعمل على إسقاط النظام وبناء الدولة. فالإئتلاف يشكل اليوم نخبة فاقدة التأثير على من يدعي تمثيلهم من ثوار ومعارضة مسلحة في الداخل. الجدير بالذكر أن بشار الأسد قد صرح بإن الغرب يدعم معارضة لا وجود لها على الأرض وإن الذين يقاتلون في الميدان لا علاقة لهم بمؤتمر جنيف2. وبالتالي لا يمكن اليوم أخذ المعارضة في الخارج ممثلة بالإئتلاف على محمل الجد والتعامل مع مخاوفها وطلباتها بشكل جدي من طرف الأصدقاء وكذلك الأعداء قبل إصلاح هذا الخلل الجوهري في تركيبتها. الجدير بالذكر أن عملية التوسعة الأخيرة التي كان يفترض فيها تحسين تركيبة الإئتلاف لم تؤدي إلا إلى تعميق الشق بينه وبين الداخل لأسباب عديدة لا يتسع المقام لذكرها هنا. إن أي عملية إصلاح للإئتلاف عليها الإبتعاد عن مفهوم المحاصصة وتقاسم الكعكة والتركيز على تعميق البعد الشعبي وزيادة الفاعلية والتأثير.
- السعي لكسب المعركة الإعلامية من خلال العمل الممنهج والإستعانة بشركات العلاقات العامة وبكل ما يخدم توضيح عدالة قضيتنا. فالعدول الأمريكي عن توجيه ضربة عسكرية للنظام في دمشق أثبت تفوق الأخير الكبير في القدرة على الحشد الإعلامي وإستخدام القنوات الديبلوماسية للتسويق لمصالحه. على الرغم من حجم المجازر الغير مسبوق في العصر الحديث إلا أن أغلبية الشعوب الغربية ترفض التدخل الفعال في الأزمة السورية, مما يشير لفشل المعارضة في كسب الرأي العام الغربي, الأمر الذي يحتاج خطة عمل لعلاجه, فمن يخسر الرأي العام الغربي يكون قد خسر أحد أهم أدوات الضغط على الحكومات الغربية.
- ينبغي أيضا على الداخل السوري العمل المستمر على تنظيم صفوفه وزيادة التنسيق بين مكوناته من أجل التعويض عن ضعف التسليح من خلال رفع الفعالية. وكذلك من أجل العمل على فرز وإنتاج قيادات من رحم الثورة قادرة على إدارة المرحلة. هذا يتطلب بدوره خبرات تراكمية تحتاج المزيد من الوقت، ولكن إستعانة المكونات الكبرى في الداخل بالخبراء الإداريين والكوادر المؤهلة قد يوفر الكثير من الوقت ويسرع عملية مراكمة الخبرات من خلال توجيه مسارها.
الثناء الأمريكي على النظام والإتفاق الروسي الأمريكي الذي سبقه بخصوص السلاح الكيماوي يشير إلى أن المسار الحالي للأحداث يتجه لعقد صفقة سياسية شاملة بين الولايات المتحدة وروسيا والأسد وحلفاءه. مما يعني بالضرورة إخراج الثورة والمعارضة السورية وحلفاءها خاليي الوفاض على المدى البعيد. إن امتلاك مشروع واضح للمعارضة يعتمد على الإمكانيات الذاتية سيؤدي لتسهيل التعاون مع الدول الداعمة للثورة (قطر وتركيا بشكل أساسي) من أجل تشكيل محور مصالح يصعب على الآخرين إبتلاعه أو تجاوزه.
بدون العمل الممنهج المدروس لامتلاك أدوات القوة والتأثير فإننا سنقف أمام إستحقاقات مؤتمر جينيف ٣ وجينيف ٤ وسنعيد نفس الأسئلة التي طرحناها سابقاً أمام مؤتمر جينيف ١ ونطرحها اليوم أما مؤتمر جينيف ٢. فمن لا يملك خطة ومشروع لن يتمكن من التعرف على مصالحه فضلاً عن تحقيقها وسيكون بالضرورة جزءاً من خطط الآخرين ومشاريعهم، وستكون أفعاله مجرد ردود أفعال لا تحقق إنجازات تراكمية ولن تفضي به إلى حيث يريد.
حرر في ١٥ أوكتوبر ٢٠١٣
تم نشر المقال على موقع زمان الوصل تحت الرابط التالي: