صعود اليمين الشعبوي في ألمانيا

في ٢٤ أيلول ٢٠١٧ قام أغلب الناخبون الألمان والبالغ عددهم حوالي ٦١,٥ مليون ناخب بالإدلاء بأصواتهم لانتخاب أعضاء البرلمان الألماني الاتحادي. وقد تخطت نسبة المشاركة في الانتخابات الـ ٧٦٪، في حين توزع الناخبون على ٢٩٩ دائرة انتخابية. كما بلغ عدد النواب في هذه الدورة الانتخابية ٧٠٩ عضو, حيث كانت النتائج النهائية كما يلي:

 

٣٣٪ من الاصوات للتحالف المسيحي الديمقراطي المؤلف من الحزب الديمقراطي المسيحي برئاسة المستشارة أنجيلا ميركل، مع شريكه الأصغر في ولاية بايرن، الاتحاد المسيحي الاجتماعي. (بواقع ٢٤٦ عضو في البرلمان)

٢٠،٥ ٪ لصالح الحزب الاشتراكي الديمقراطي (بواقع ١٥٣ عضو في البرلمان)

١٢،٦٪ لصالح حزب البديل لأجل ألمانيا (٩٤ عضو في البرلمان)

١٠،٧٪  لصالح الديمقراطيين الاحرار (٨٠ عضو في البرلمان)

٨،٩٪ لصالح حزب الاخضر  (٦٧ عضو في البرلمان)

٩،٢٪ لصالح حزب اليسار  (٦٩ عضو في البرلمان)

في حين كان هناك نسبة أقل من ٥٪ لصالح أحزاب صغيرة لم تستطع الدخول للبرلمان بسبب عدم قدرتها على تخطي عتبة الـ ٥٪ اللازمة لدخول البرلمان الألماني.

الرابحون والخاسرون

تعد هذه النتائج هزيمة واضحة للأحزاب السياسية الكبيرة والرئيسية في ألمانيا. الأمر الذي يتسق مع ظاهرة تآكل القاعدة الشعبية للأحزاب الراسخة والكبيرة في عموم أوروبا الغربية خلال العقدين الماضيين. حيث تتسرب أصوات الناخبين من الأحزاب الرئيسية التي حكمت أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية لصالح الأحزاب الصغيرة وخاصة الشعبوية منها. وتنتشر هذه الظاهرة بشكل خاص بين صفوف فئة الشباب، أي الناخبين تحت عمر الثلاثين عاما.

فالتحالف الديمقراطي المسيحي خسر حوالي ٨،٥ بالمئة من الأصوات مقارنة مع انتخابات ٢٠١٣، في حين خسر الحزب الديمقراطي الاشتراكي حوالي ٥ بالمئة من الأصوات ليحصل على أسوأ نتيجة له منذ تأسيسه.

بينما استطاعت الأحزاب الصغيرة تحقيق تقدما واضحا وخاصة حزب الديمقراطيين الاحرار وحزب البديل لأجل ألمانيا. حيث لم يتمكن كلا الحزبين من دخول البرلمان في دورته السابقة لعدم تمكنهم من تخطي عتبة الـ ٥٪ سابقة الذكر.

والجدير بالإشارة أن حزب البديل من أجل ألمانيا يتبنى برنامج سياسي معاد للأجانب بشكل عام وللمسلمين بشكل خاص. فمن ضمن شعاراته الانتخابية الرئيسية كان شعار "إيقاف أسلمة أوروبا" ومطالبته بتشديد القيود على المسلمين وإرجاع اللاجئين إلى بلادهم.

الأمر الذي يعني التحاق ألمانيا أخيرا بالدول التي تضم برلماناتها أحزابا شعبوية وعنصرية كحال فرنسا وهولندا وبريطانيا.

فمارين لوبون زعيمة الجبهة الفرنسية الوطنية التي تحمل أفكارا وبرنامجا مشابها لحزب البديل من أجل ألمانيا، لم تتأخر عن تهنئة الأخير على دخوله البرلمان عبر التويتر واصفة إياه بـ الحليف وواصفة النتائج على انها دليل على نضج الشعوب الأوروبية. وكذلك فعل أيضا غيرت ويليديرز الزعيم اليميني المتطرف في هولندا:"أهنأ السيدة فراوكه بيتري -مرشحة حزب البديل الرئيسية- وأهنأ حزب البديل". وكذلك قام السكرتير العام لحزب النمسا الحرة المتطرف هربرت كيكل بإطلاق تصريحات مشابهة.

في حين قامت العديد من أجهزة الإعلام الألمانية بتوصيف نتائج الانتخابات على أنها "خطيرة" وبأنها نقطة سوداء في تاريخ ألمانيا. فبعد حوالي ٧٠ عاما من خروج الحزب النازي من الواقع السياسي الألماني، تمكن حزب البديل الذي يحمل أيديولوجية عنصرية مشابهة للنازية من الدخول إلى البرلمان الألماني مجددا.

من حيث النتيجة فقد حل حزب البديل من أجل ألمانيا في المرتبة الثالثة على مستوى ألمانيا الاتحادية بواقع ٦ ملايين ناخب صوتوا له. في حين حل في المرتبة الثانية بعد الحزب الديمقراطي المسيحي في ما كان يعرف في ألمانيا الشرقية. وتشير بعض التحليلات إلى أن ٦٠٪ من الناخبين الذين اختاروا التصويت لهذا الحزب، لم يصوتوا له إيمانا منهم ببرنامجه السياسي بقدر ما كان تصويتهم له احتجاجا على سياسات الاحزاب الاخرى. وبشكل خاص كردة فعل على أزمة اللاجئين وما رافقها من تهويل وتضخيم اعلامي وتصريحات غير دقيقة أو غير مسؤولة من العديد من المسؤولين السياسيين الذين حاولوا تسجيل نقاط لصالحهم من خلال انتقاد سياسة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

تشكيل الحكومة الألمانية القادمة

لم يحصل التحالف الديمقراطي المسيحي على الأغلبية التي تؤهله لتشكيل حكومة لوحده. في حين أنه لا يمكن تشكيل حكومة من دونه. الأمر الذي يعني احتفاظ السيدة انجيلا ميركل بمنصب المستشارة، كما يعني أيضا أن الحكومة القادمة ستكون حكومة ائتلافية كما هو حال الحكومة الحالية اليوم المؤلفة من ثلاثة أحزاب: التحالف الديمقراطي المسيحي، الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر. إلا أن الحزب الديمقراطي الاشتراكي أعلن بعد نتائج الانتخابات مباشرة على لسانه زعيمه مارتين شولتز بأنه لن يدخل في أي تحالف حكومي مع المستشارة الحالية أنجيلا ميركل. وفي حال ثباته على موقفه هذا فلن يكون أمام السيدة ميركل سوى التحالف مع حزب الخضر وحزب الديمقراطيين الأحرار من أجل تشكيل حكومة تتمتع بأغلبية برلمانية. وهذا الخيار لن يكون سهلا نظرا للتفاوت الواسع بين برنامج حزب الخضر والسياسة المحافظة للتحالف المسيحي الديمقراطي. وفي حال عجزت السيدة ميركل عن تكوين هذا التحالف، ستضطر لتشكيل حكومة أقلية. أي أن عدد نواب المعارضة في البرلمان سيكون أكبر من عدد نواب الحكومة مما يعني تشكيل حكومة ضعيفة ستضطر للدخول في معارك برلمانية مريرة لتمرير أي تشريع أو سياسات تحتاج مصادقة من البرلمان. الأمر الذي سيؤدي إلى شلل السياسة الألمانية في فترة تاريخية حرجة يواجه فيها الاتحاد الأوروبي تحديات غير مسبوقة، على رأسها صعود التيارات الشعبوية والعنصرية، وانخفاض قدرة الاقتصاد الأوروبي على المنافسة لصالح دول شرق آسيا والصين، وصعود روسيا العسكري والسياسي بالتزامن مع تراجع أمريكي في أوروبا وفي الشرق الاوسط.   

المآلات السياسية في ألمانيا

ينظر العديد من الألمان بشكل عام والأجانب بشكل خاص إلى نتائج هذه الانتخابات بقلق شديد. فإذا استطاع حزب عنصري يحمل برنامج سياسي قائم على الإقصاء والتطرف الحصول على المرتبة الثالثة رغم أنه تأسس في عام ٢٠١٣، أي بعد أربع سنوات فقط من تأسيسه. فأين يمكن أن يصل في السنوات القادمة؟

وهل الثقافة الديمقراطية الألمانية هشة إلى درجة السماح للمتطرفين بالدخول إلى البرلمان كرد فعل على أزمة وصول اللاجئين في عام ٢٠١٥؟ مع العلم أن أزمة اللاجئين يمكن تصنيفها على أنها أزمة عابرة قابلة للاحتواء بالمقارنة بالأزمات السياسية والاقتصادية التي يمر بها الاتحاد الأوروبي اليوم.

في حين يراهن البعض على أن حزب البديل من أجل ألمانيا سيعدل من مساره وخطابه كنتيجة لدخوله اللعبة السياسية. فبعد الانتخابات أعلن الناطق باسمه يورغ مويثن بأنه لن يتسامح مع المواقف العنصرية والمعادية للأجانب. وهو التصريح الذي تلقاه العديد من الصحفيين بشيء من السخرية لأن العنصرية ومعاداة الأجانب كانت هي صلب البرنامج الانتخابي للحزب.

وفي الختام لا بد من الاعتراف بأن الخارطة السياسية في ألمانيا قد تغيرت اليوم بشكل كبير. فالحزب الديمقراطي الاشتراكي العريق الذي تعود جذوره الأولى إلى عام ١٨٤٨ والذي قاد الثورة في بدايات القرن الماضي للتحول إلى النظام الجمهوري وحارب الفاشية وحارب العنصرية حصل اليوم على أضعف نتائجه. في حين استطاع حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف الإفادة من وسائل الاتصال الاجتماعي بشكل فعال، واستغلال اخفاقات الأحزاب وتمكن من الدخول إلى البرلمان الألماني. مما أنهى حالة الاستثناء الألماني في أوروبا. أي أن صعود الأحزاب اليمينية والشعبوية المتطرفة أصبح ظاهرة عامة في الغرب، وقد تؤدي إلى تغيير البنية السياسية الغربية بشكل كبير، وربما تؤدي إلى انهيار الاتحاد الأوروبي على المدى المتوسط إن استمرت في النمو والازدياد. وذلك لأنها جميعا تتبنى سياسات معادية للاتحاد الأوروبي. قد يصعب اليوم التنبؤ بما هو قادم، ولكن من المؤكد أن الشهور والسنين القادمة ستكون حافلة بالأحداث والمفاجآت.


 

تم نشره على شبكة جيرون بتاريخ ٣٠ أيلول من عام ٢٠١٧ تحت الرابط التالي: إضغط هنا