Select your language

logo16

حول أهداف المشاركة الألمانية في محاربة تنظيم الدولة "داعش"

وافق البرلمان الألماني (البوندستاغ) يوم الجمعة الماضي على طلب الحكومة الاتحادية برئاسة المستشارة أنغيلا ميركيل توسعة الحرب على تنظيم الدولة في سوريا والعراق من خلال الانضمام للتحالف الدولي لمحاربة التنظيم. فقد صادقت الحكومة الألمانية يوم الثلاثاء الذي سبقه على حزمة تشريعات تحت مسمى "مهمة مكافحة الإرهاب". بموجب هذه التشريعات سيتم إرسال 1200 جندي ألماني لأداء أدوار مساندة للحرب التي يقوم بها التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة.

 كما سيجري تخصيص مبلغ ١٣٤ مليون يورو كنفقات مباشرة لهذه المهمة في عامها الأول. مع العلم أن وزير الخارجية فرانك شتاينمير كان قد ألمح في بعض تصريحاته إلى أن المهمة ستمتد لفترات طويلة ستتجاوز العام "في معركة ضد خصم كتنظيم الدولة سنحتاج إلى سياسة النفس الطويل". إلا أن مسؤول لجنة الدفاع في البرلمان الألماني أندريه فونستر كانت تصريحاته أكثر وضوحاً: "أعتقد أن هذه المعركة، إذا أردنا خوضها بشكل جدي، ستستغرق أكثر من عشرة سنوات".

ما دوافع السياسة الألمانية للمشاركة في الأعمال العسكرية التي يقوم بها التحالف في العراق وسوريا؟

استندت الحكومة الألمانية في طلبها من البرلمان الموافقة على الانضمام للتحالف الدولي لثلاث فقرات قانونية تتيح لها التدخل في الحرب بموجبها: إحداها تلزم ألمانيا بالمشاركة في الدفاع عن إحدى دول الاتحاد الأوروبي (فرنسا) في حال تعرضها للاعتداء كما حصل في باريس، والفقرتان الأخريان تلزمان ألمانيا كعضو في الأمم المتحدة بمحاربة الدول التي تهدد الأمن والسلام العالمي، أو بموجب القرارات رقم ٢٢٤٩ و٢١٩٩ لعام ٢٠١٥ لمجلس الأمن التي صنفت تنظيم الدولة على أنه تنظيم إرهابي.

يعتقد العديد من المحللين أن الحكومة الألمانية ترغب في الاستفادة من المناخ الشعبي والسياسي المتعاطف مع ضحايا باريس في الوقت الحاضر من أجل تمرير قرار توسعة التدخل العسكري في منطقة الشرق الأوسط. فالحكومة الألمانية منذ وصول العبادي إلى السلطة في العراق تلعب دوراً مهماً في دعم العملية السياسية في هذا البلد, كما أن الجيش الألماني يقوم بتسليح ودعم فرق البشمركة الكردية في حربها ضد تنظيم الدولة منذ ذلك الحين. 

أما الحكومة الألمانية فقد بررت مشاركتها في الحرب على تنظيم الدولة "من أجل إظهار التضامن مع باريس"، كما قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل، إلا أن فولفغانغ إيشينغر، رئيس منتدى ميونيخ للسياسات الأمنية والدفاعية، علق على ذلك قائلاً: "لا يصح أن نطلق تبريرات عائمة على مشاركتنا في الحرب على تنظيم الدولة، فالمشاركة الألمانية في الحرب على تنظيم الدولة تخدم المصالح الألمانية الأمنية أولاً".

فمن المؤكد أن توسعة المشاركة العسكرية من خلال الانضمام الرسمي لدول التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة تتيح للحكومة الألمانية تشارك المعلومات الاستخبارتية حول التنظيم مع باقي دول التحالف بشكل أسرع وأكثر فعالية وأقل بيروقراطية، وهو أحد المواضيع التي تم نقاشها في اجتماع بروكسل بعد تفجيرات باريس. 

وكانت وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين قد ألمحت إلى ذلك "سيتوجب علينا الدفاع عن أمن ألمانيا في سوريا". فأحداث باريس أثارت الهلع لدى الدوائر السياسية الألمانية من احتمال عودة بعض المواطنين الألمان الذين التحقوا بتنظيم الدولة بهدف الإخلال بالأمن الألماني، حيث تشير المعلومات الاستخبارية الألمانية لوجود أكثر من ٧٢٠ مواطناً ألمانياً التحقوا به، والتجارب العالمية أوضحت أن عودة أقل من خمسة بالمئة منهم بدافع التخريب كافية للإخلال بالأمن العام للدولة.

ومن ناحية أخرى يرى الخبراء العسكريون الغربيون ضرورة إضعاف تنظيم الدولة من خلال القصف الجوي وإعاقته تقدمه ومنعه من التوسع، حيث يجري الحديث عن حصره بين نهري دجلة والفرات وإخراج المناطق خارج هذه الحدود من تحت سيطرته. فاستمرار تمدد هذا التنظيم سيؤدي إلى زيادة أعداد اللاجئين القادمين إلى أوروبا والذين تجاوزت أعدادهم في عام ٢٠١٥ المليون لاجئ (ليس فقط من العراق وسوريا). 

وسيؤدي أيضا إلى خلق وقائع جيوسياسية لا يمكن التكهن بمآلاتها أو التكهن بالتحالفات التي قد تنشأ عنها. وفي هذا السياق يمكن فهم تصريحات وزيرة الدفاع أورزولا فون دير لاين الأخيرة: "إن لم نتنبه للمشاكل في وقت مبكر فإنها ستتجه إلينا"، وأضافت الوزيرة الألمانية: "إذا كنا نريد محاربة الإرهاب وأسباب النزوح يجب علينا أن نعمل في نفس المكان، ليس فقط بالوسائل العسكرية ولكن باستخدامها أيضاً". 

مع العلم أن المساعدة الحقيقية لقادة الثورة السلمية في سوريا في الـ٢٠١١ على الإطاحة بنظام الأسد وإنجاح الانتقال الديمقراطي كانت ستوافر على أوروبا والعالم وكذلك الشعب السوري الكثير من الكوارث التي نعاني منها اليوم على رأسها أزمة اللاجئين وظهور تنظيم داعش. إلا أن هذا المقال لن يتعرض للمقارنة بين هذه المواقف المتناقضة في الحالة السورية.

كما أن التدخل العسكري الروسي الصريح والمباشر في سوريا أدى إلى تغيير أدوات وقواعد التعامل مع أزمة انهيار الدولة في المنطقة والفراغ الناشئ عنها. فها هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعلن أن تركيا بالتعاون مع المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى ستنظم أعمال عسكرية في سوريا، حيث أصبحت المشاركة العسكرية المباشرة أحد أدوات الاستثمار الضرورية من أجل امتلاك القدرة على التأثير في إعادة تشكيل المنطقة. 

وبالتالي فإن البديل أمام الدولة الألمانية هو اتخاذ موقف الحياد والامتناع عن المشاركة العسكرية وبالتالي البقاء خارج الحلف الدولي المحارب لتنظيم الدولة، إلا أن النتيجة ستكون فقدان السياسة الألمانية لجزء مهم من أدوات التأثير في التطورات السياسية في منطقتنا التي تعج بالمتغيرات والتطورات.

وفي الختام لابد من الإشارة إلى أن الروح العامة التي سادت مناقشات البرلمان الألماني استحضرت ضرورة إعادة ترميم الشعور الشعبي والسياسي بالمصير المشترك لدول الاتحاد الأوروبي. خاصة بعد الأزمات التي عصفت به نتيجة لتفاعلات أزمة الديون اليونانية وطريقة الحكومة الألمانية في التعاطي معها. فالدخول في حرب على الخطر المشترك الذي يواجه أغلب الدول الأوروبية (الإرهاب)، بالتعاون مع فرنسا ودعماً لها سيجدد الشعور بوحدة المصير في أوروبا ويعطي دفعاً إيجابياً لهذا الاتجاه. 

ولكن إلى أين ستذهب الحرب على الإرهاب؟

صرح السفير الأميركي لدى حلف الناتو دوغلاس لوت، الثلاثاء الماضي، عن الحاجة لقوات برية للقضاء على التنظيم في سورية، كما صرح وزير الخارجية الألماني بأن تنظيم داعش لا يمكن القضاء عليه بالعمل العسكري وحده. ففي الدوائر الضيقة لصنع القرار السياسي في ألمانيا تحديداً هناك رؤيا واضحة بأن القضاء على تنظيم الدولة يستلزم عملية سياسية ناضجة تؤدي إلى حلول سياسية متوازنة في العراق وفي سوريا. فطالما هناك مكوّن اجتماعي عريض معرض للإقصاء السياسي والتهجير والقتل ستبقى الجذور التي تغذي فكر تنظيم الدولة حية وباقية. إلا أن هذه الرؤى لا تترجم للأسف إلى ممارسات سياسية على الأرض، فنجاح العملية السياسية في العراق وفي سوريا مرهون بعوامل متعددة قد لا تملك الحكومة الألمانية التأثير عليها.

أضف إلى ذلك تعدد الأطراف المتدخلة عسكرياً في كل من سوريا والعراق تحت مسمى "مكافحة الإرهاب"، مع غياب التعاون والتنسيق فيما بين هذه الأطراف، بل حتى في غياب تعريف مشترك في ما بينها لمعنى الإرهاب. ولعل هذه العوامل مجتمعة هي ما دفعت مسؤول لجنة الدفاع في البرلمان الألماني أندريه فونستر للاعتقاد بأن هذه المعركة ستستغرق أكثر من عشر سنوات. خاصة إذا أخذنا في الحسبان احتمال الانهيار الكامل للدولة في سوريا والعراق وظهور كانتونات حكم محلي تكون مسرحاً لحروب دول الإقليم الأكثر استقراراً. 

الأمر الذي يدفعنا للاعتقاد بأن مسار عملية التحول السياسي والاجتماعي في المنطقة لازال طويلاً ولا زالت مآلاته غير واضحة. وهذا يعني أن ما نشاهده اليوم من فوضى وأزمات وحروب وتدخلات ليس إلا البداية فقط.

 


 تم نشره على موقع هافينغتون بوست في  في ٨ كانون أول ٢٠١٥ تحت الرابط التالي: اضغط هنا