هل ستصل المعارضة السورية إلى دمشق قريبا؟

مآلات الانجازات الاخيرة للمعارضة السورية

unnamed (17)في ٢٨ آذار ٢٠١٥ أعلنت عدة فصائل سورية تنسق مع بعضها تحت مسمى “جيش الفتح” عن تحرير مدينة إدلب بعد طرد قوات النظام السوري منها. حيث كان مركز مدينة إدلب يمثل جزيرة معزولة لقوات النظام ومحاصرة بكتائب ومناطق الثوار. ثم تبع ذلك في ٢٥ نيسان اعلان تلك الفصائل لتحرير مدينة جسر الشغور القريبة من مدينة ادلب والواقعة على الخط الفاصل بين المناطق الساحلية حيث تتمركز الكتلة البشرية الرئيسية الداعمة للنظام، وبين المناطق الداخلية لمحافظة ادلب التي غدت مركز الكتائب والمنظمات التي تحارب النظام السوري وتحارب تنظيم داعش في نفس الوقت.

 

في هذه الاثناء استمرت المعارك ضد نظام الاسد في سهل الغاب في الوسط السوري، كما أن الجبهة الجنوبية في محافظة درعا لم تكن أقل سخونة من الجبهة الشمالية. حيث أحبطت فصائل الثوار المتواجدة في محافظة درعا في ٢٠ نيسان هجوما واسعا لقوات النظام وحلفاءه في حزب الله والحرس الثوري الايراني. حيث كان هدف الهجوم استعادة السيطرة على بعض المدن ذات الاهمية الاستراتيجية في الجنوب السوري، إلا أنهم تكبدوا خسائر فادحة ولم يحققوا غايتهم. في حين بدأت قبل أيام معارك واسعة على جبهة القلمون في الجبال الواقعة بين سوريا واللبنان.

رافق ذلك أيضا عدة حالات وفاة مفاجئة للعديد من أركان النظام مثل اللواء رستم غزالة رئيس الامن السياسي، وتنحية آخرين مثل العميد حافظ مخلوف ابن خال بشار الاسد ومسؤول أمن العاصمة، واللواء رفيق شحادة رئيس المخابرات العسكرية. حيث تسود قناعة في أوساط السوريين أن حالات الوفاة والتنحية المفاجأة ليست إلا عمليات تصفية داخلية ناجمة عن صراعات دموية داخل أجنحة النظام نفسه. الامر الذي أعطى انطباعا بإن النظام السوري يتآكل من الداخل ولعل موعد انهياره الذاتي قد اقترب.

هذه الاحداث في مجملها دفعت الكثيرين للتفاؤل باقتراب موعد سقوط دمشق في يد الثوار، كما انها اطلقت العنان لموجة كبيرة من التحليلات عن المآلات التي ستنتهي اليها هذه التطورات. فهل فعلا ستؤدي هذهالمعارك إلى احتفال الثوار بالنصر في دمشق في القريب العاجل؟

لاشك بأن التطورات الاخيرة في التوازنات السورية تعد مهمة جدا من منظور خارطة المنطقة المستقبلية، خاصة بعد جمود نسبي استمر لمدة عامين سبقه تمدد لقوات النظام وحلفاءه. إلا أن هذه الانجازات يمكن ردها لعوامل عديدة أهمها:

فالمتتبع لخريطة المعارك في الشمال السوري سيجد أنها تعمل على طرد جيوب النظام في مناطق تخضع لسيطرة الفصائل بشكل كبير، ثم تتوقف هذه المعارك على حدود جبال اللاذقية حيث الكتلة البشرية لمؤيدي النظام. فأي اتفاق أو حل سياسي قادم سيتطلب فصل القوات المتحاربة قبل ذلك. وهذا لن يكون ممكنا في جبهات متداخلة كما هو الحال في الشمال والوسط السوري. الامر الذي دفع الدول الاقليمية الداعمة لعدالة قضية الثورة في سوريا لاخذ زمام المبادرة من جديد، بهدف التعاون للحد من النفوذ الايراني في سوريا من جهة، وبهدف تحريك الملف السياسي لانهاء معاناة الشعب السوري من جهة أخرى.  فقد أدركت هذه الاطراف أن غياب التنسيق فيما بينها ولو بالحد الادنى أضر بواقع المعارضة السورية وأعطى إيران هامش كبير من المرونة للتمدد في سوريا. وبالتالي فإن غياب التنسيق والتعاون بين تركيا والسعودية وقطر سيؤدي على المدى البعيد لفقدانهم لقدرتهم على التأثير على ما يجري داخل سوريا بشكل شبه كامل لصالح ايران. وعندها ستكون تكاليف التدخل للحد من النفوذ الايراني أضعاف التكاليف المطلوبة للتدخل اليوم.

إلا أن هذه المبادرة لا زالت تواجه محددات أمريكية تعترض على وصول قوات المعارضة للمناطق المختلطة طائفيا خشية وقوع مجازر طائفية، وتعترض على أي هجوم موسع على دمشق قد يؤدي إلى اسقاط النظام عسكريا. فالرؤيا الامريكية تبحث عن مقاربات تضمن انتقال السلطة من الاسد إلى شخص آخر أو إلى هيئة انتقالية بما يحول دون سيطرة الكتائب الاسلامية على ادارة الدولة. والضامن لهذه الرؤيا هو الحفاظ على ما تبقى من قوى للجيش واجهزة الامن التي يمكن اعادة هيكلتها. ولذلك تسعى الادارة الامريكية لتجميد الوضع الحالي لعامين مقبلين حتى يتم انضاج حل من هذا النوع، وكذلك حتى يتم ترحيل الازمة السورية للادارة الامريكية المقبلة بعد خروج أوباما من البيت الابيض. فإدارة أوباما مهتمة بدخول التاريخ على انها الادارة التي اعادة العلاقات الديبلوماسية مع ايران وكوبا، وسحبت جنودها من مناطق النزاعات ولم تفتعل أي حروب جديدة.

من اللافت أيضا في معارك ادلب وجسر الشغور هو غياب العنصر الشيعي بكافة مكوناته بين قتلى وأسرى جبهة النظام الاسدي (مقاتلون شيعة من أفغانستان وباكستان، حرس ثوري، حزب الله، كتائب شيعية عراقية..إلخ)، في حين كان هذا المكون هو العنصر الغالب في معارك حلب فيما مضى، ولا زال المكون الرئيسي في معارك الجبهة الجنوبية في ريف دمشق ودرعا. الامر الذي يشير إلى وجود تفاهم ضمني – أو على الاقل ادراك متبادل – لحدود مناطق النفوذ والسيطرة للدول الاقليمية داخل الاراضي السورية. فلم يعد من المجدي لايران استثمار المزيد من الجهود والتكاليف للحفاظ على مناطق جغرافية تقع على جانب الحدود التركية، في حين أن المعنى الاستراتيجي لمناطق نفوذها ينحصر في الساحل ودمشق والخط الواصل بينهما عبر المناطق الحدودية مع اللبنان. مما يدفع للاعتقاد بأن مسار الاحداث سيؤدي للوصول إلى خريطة جديدة لتوزع القوى في سوريا في الفترة المقبلة والتي ستكون أكثر وضوحا ويمكن استشرافها كما يلي:

في هذه الاثناء تجري اجتماعات تشاورية في جينيف لبحث أفق الحلول السياسية الممكنة، كما يجري أيضا التحضير لمؤتمر في السعودية للمعارضة السورية يهدف إلى اعادة الاعتبار إلى جسمها السياسي العامل في الخارج واعادة تفعيله، خاصة بعد أن تعرض للتهميش خلال السنتين الماضيتين بسبب عدم قدرته على التأثير أو المشاركة في صناعة الحدث، وكذلك فقدانه القدرة على تقديم قيمة مضافة تستحق الذكر في دعم قضية الثورة السورية على المسرح الدولي. فالخلافات الداخلية للمعارضة السورية وكذلك الخلافات الاقليمية للدول الداعمة لها أرهقت الاجسام المترهلة أساسا التي انتجتها هذه المعارضة. وتفيد بعض المصادر المطلعة أن الدول الداعمة للمعارضة السورية تسعى اليوم إلى تثقيل الائتلاف من خلال ضم الفصائل العسكرية الكبرى له: جيش الاسلام، أحرار الشام، وصقور الشام. حيث تؤكد تلك المصادر تلقي قادة هذه الفصائل عرضا بهذا الخصوص. أو ربما تشكيل جسم بديل يضم هذه القوى.

وفي حال تحقق هذا الامر فسيكون من شأنه زيادة امكانيات المراهنة على المعارضة السورية التي اثبتت فعالية عالية في مكافحة تنظيم داعش في بداية عام ٢٠١٤، كما أثبتت قدرتها على دحر النظام في حال توفر الغطاء الاقليمي الداعم لها.

ومن حيث النتيجة فلا يبدو أن وصول المعارضة المسلحة إلى دمشق سيكون قريبا أو ممكنا في الافق المنظور، عدا عن معارضة العديد من الدول الكبرى لهذه الفكرة لتعارضها مع تصورهم عن شكل الحل الممكن للأزمة السورية. وفي حال حدث ذلك فسيكون نتيجة تطورات غير متوقعة أدت لانهيار متسارع داخل بنى النظام السوري أو الدول والقوى الداعمة له. كما أن الاتفاق النووي الايراني الامريكي إن اكتمل فسيؤمن تدفقات ضخمة من السيولة للخزينة الايرانية، الامر الذي سيؤدي إلى إطالة أمد الصراع لعدة سنوات قادمة. رغم ذلك فأنه من المؤمل أن تتوصل الديبلوماسية خلال السنة القادمة لاتفاقات قد لا تنهي الحرب، إلا انها قد تؤمن شيء من الهدوء والاستقرار للمناطق الواقعة تحت سيطرة الفصائل الثورية المسلحة. الامر الذي من شأنه أن يعيد عجلة الحياة إلى الدوران في هذه المناطق.

يبقى من المهم الاشارة إلى أن إرادات الدول الكبرى مهما عظمت لا ترقى لإن تكون قدرا يتوجب على الآخرين انتظار وقوعه. فالتاريخ يعلمنا أن ارادة الشعوب إذا صدّقها العمل الدؤوب المستند إلى تخطيط سليم تبقى هي الصانع الرئيسي للحدث. مما يرتب مسؤوليات عظيمة على المتصدرين لقيادة الشأن السياسي والعسكري للمعارضة السورية، فالتاريخ لا يرحم والمستقبل لا ينتظر.


 تم نشره على شبكة الجزيرة في ٢ حزيران تحت الرابط التالي: اضغط هنا