Select your language

logo16

 إنتاج الطاقة من النفايات في الشرق الأوسط

شهدت مدينة أبوظبي في الشهر الأول من هذا العام فعاليات "أسبوع الاستدامة" والتي تضمنت العديد من النشاطات الهامة كالتحضير لاجتماع المناخ القادم COP28 الذي سيقام في مدينة أبوظبي، وكذلك شهدت توقيع العديد من الاتفاقيات لتعزيز قطاع الطاقة المستدامة. وفي هذا السياق كانت تقنيات إنتاج الطاقة من النفايات أحد أهم المواضيع التي كان لها حضورا لافتا يتناسب مع ارتفاع عدد هذه المشاريع في المنطقة التي تشهد أحد أعلى معدلات الارتفاع السكاني في العالم.

 

 

 

النفايات: مشكلة تحتاج لحل، أم فرصة تنتظر من يقتنصها؟

تعد تقنيات استخراج الطاقة من النفايات - او كما جرت العادة على تسميتها بتحويل النفايات إلى طاقة - أحد أنجع الوسائل للتعامل مع مشكلة تراكم النفايات. حيث إن البديل هو حرقها في مكبات مفتوحة بعد تجميعها على هيئة تلال هائلة من النفايات أو دفنها تحت الأرض. وفي كلا الحالتين فإن الأضرار المباشرة وغير المباشرة على السكان والمياه الجوفية والبيئة المحيطة لا يمكن حصرها. لذلك لجأت العديد من الدول إلى منع دفن النفايات أو حرقها بشكل قطعي كما هو الحال في ألمانيا أو الدنمارك. في حين قامت دول أخرى بزيادة الضرائب على عملية دفن النفايات لجعل الأثر البيئي الضار أعلى كلفة من الحلول الصديقة للبيئة كما هو الحال في المملكة المتحدة.

أما الطاقة المنتجة من هذه النفايات فيمكن استخدامها على شكل كهرباء تصل إلى البيوت عبر الشبكة الرئيسية، أو لإنتاج البخار الذي يمكن استخدامه في التدفئة المركزية أو في العديد من الصناعات في حال كانت المحطة تقع في القرب من المنشآت الصناعية. 

وعلى سبيل المثال، فإن مدينة القاهرة المكتظة بالسكان تنتج يوميا ما يتجاوز الخمسة عشر ألف طن من النفايات المنزلية. أي ما يعادل تقريبا ستة ملايين طن من النفايات سنويا. الامر الذي يشكل تحديا هائلا للهيئات العاملة في إدارة هذا القطاع. ولكن من زاوية أخرى فإن هذه الكمية من النفايات يمكنها إنتاج ما يعادل 7.5 TWh. أي إنتاج ما يكفي لتغطية حاجة دولة مثل لوكسمبورغ من الكهرباء بشكل كامل. وفي الوقت نفسه فإن الكهرباء المنتجة من النفايات ستؤدي إلى توفير في الحاجة لإستيراد النفط أو الغاز لإنتاج نفس كمية الطاقة.  

الخيارات التقنية

هناك العديد من التقنيات التي أثبتت جدواها وحققت انتشارا كبيرا في الدول الغربية. الخيار الأكثر استخدامًا هي تقنية الحرق مع معالجة الانبعاثات الناتجة عن عملية الحرق.  فهي تبدأ بالمعالجة المسبقة للنفايات، ثم حرقها في نظام مخصص لهذه الغاية لتوليد الحرارة التي يمكننا استخدامها لتوليد البخار. يمكن أن يستخدم هذا البخار توربينات بخارية تدفع المولد لإنتاج الكهرباء، أو استخدامه بشكل مباشر لأغراض صناعية. 

على سبيل المثال فهناك اليوم حوالي ٥٠٠ محطة في أوروبا تعمل بهذه التقنية وتعالج حوالي ٩٦ مليون طن من النفايات سنويا. 

لم يكن في منطقة الشرق الاوسط وفي كامل القارة الافريقية حتى بدايات العام الماضي سوى محطة واحدة لتحويل النفايات الصلبة (المنزلية) إلى طاقة. وهي المحطة التي أقامتها الدوحة في عام ٢٠١١. ولكن شهد عام ٢٠٢٢ دخول ثلاث محطات جديدة: الأولى كانت في الشارقة في دولة الإمارات، والثانية في مدينة استنبول التركية. أما الاخيرة فكانت في أثيوبيا بتمويل وتكنولوجيا صينية. وهناك اليوم أحد أضخم المحطات في العالم يجري العمل على تشييدها في مدينة دبي لتعالج حوالي ستة آلاف طن من النفايات يوميا، كما يجري العمل على إطلاق محطة أخرى في أبو ظبي لذات الغرض. وفي المملكة السعودية يجري الحديث عن العديد من المشاريع في سياق رؤية المملكة ٢٠٣٠. 

التحديات والعوائق

تعد عدم كفاءة البنية التشريعية والقوانين الناظمة السبب الرئيسي وراء تأخر ظهور هذه الصناعة في العديد من دول العالم. فالمردود المالي المتولد عن الطاقة المنتجة لا يكفي عادة لإقامة منشأة ربحية. الأمر الذي يتطلب تدخل حكومي ليكافئ هذه المنشأة على تخلصها من النفايات بشكل صديق للبيئة. وهو التغيير الذي أدركته دول مجلس التعاون وكان السبب في إطلاق العديد من المشاريع في كافة دولها. ويختلف شكل هذه المكافأة باختلاف التشريعات: فإما أن تكون على شكل شراء الطاقة المنتجة بأسعار تفضيلية أعلى من قيمتها السوقية، أو على شكل دفع عائد نقدي محدد على كل طن نفايات يجري التخلص منه. بعض الدول قد تلجأ لاجتراح نموذجها الخاص بها عبر الدمج  بين كلا الآليتين السابقتين كما جرى في محطة دبي التي هي الآن قيد الإنشاء.

ربما يعد التعامل مع هذه المشاريع على أنها تهدف لإنشاء محطات لإنتاج الطاقة بدل التعامل معها على أنها مشاريع بيئية هو السبب الرئيسي في تأخر صدور التشريعات المناسبة لها في دول كمصر والمغرب. 

يتوجب كذلك على دول الشرق الأوسط  الحيلولة دون استنساخ النماذج الاوروبية. وعلى سبيل المثال فإن جميع المشاريع التي أنشأت في الهند حتى عام ٢٠٠٣ باءت بالإخفاق لإنها استنسخت التصميم الاوروبي بدون أخذ الاختلافات المتعلقة بالبنية التحتية والسلوك الاجتماعي بعين الاعتبار. فطبيعة النفايات تتباين باختلاف سلوكيات المجتمع وتركيبته وبنيته. ويترتب على هذا التباين اختلاف كبير في اختيار التكنولوجيا المناسبة وفي تصميم المحطة. وكذلك فإن موقع المحطة يمكن أن يحدد طبيعة استخدام الطاقة المنتجة. فربما يمكن استخدامها لتحلية مياه البحر، أو لتغذية مناطق صناعية بالطاقة.

تتعرض أيضا هذه المحطات للانتقادات المستمرة بسبب الانبعاثات التي يمكن أن تصدر عنها. مع العلم أن التقنيات المتوفرة لمعالجة الانبعاثات أتاحت إمكانية بنائها في قلب المدن والعواصم الكبرى كما هو الحال في فيينا أو في كوبنهاغن في الدنمارك حيث تقع المحطة الرئيسية لمعالجة النفايات على بعد أقل من اثنين كلم من القصر الملكي وأقل من واحد كلم من المناطق السكنية. ويعد الدخان المنبعث منها أنظف من الهواء في شوارع كوبنهاغن في ساعات الازدحام. كما يُنظر للمحطة بوصفها من أبرز معالم المدينة وذلك لتصميمها الفريد الذي أتاح إمكانية التزلج على سطحها في الصيف على العشب وفي الشتاء على الثلج. 

لازال باب الأمل مفتوحا لرؤية محطات مشابهة في الشرق الاوسط. 

ملاحظات:

الصور المستخدمة تعود ملكيتها لشركة بابكوك آند ويلكوكس وهي مأخوذة من موقعها بإذنها


مقال تم نشره على مجلة ستانفورد للابتكار الاجتماعي في ١ شباط ٢٠٢٣ تحت الرابط التالي: إضغط هنا

الكاتب: غياث بلال، كان عند كتابة هذا المقال يعمل كمدير إقليمي لقطاع الطاقة النظيفة في شركة بابكوك آند ويلكوكس في الشرق الاوسط وإفريقيا