"داخل داعش - عشرة أيام داخل الدولة الاسلامية"
فيما يلي عرض لكتاب "داخل داعش" لمؤلفه يورغن تودن هوفر.
لطالما أثارت أعمال السياسي والصحفي الشهير الدكتور يورغن تودن هوفر الكثير من الجدل، ككتابه في نقد غزو العراق "لماذا تقتل يا زيد" أو مقابلاته مع قادة طالبان بعد زيارتهم في أفغانستان أو زيارته لغزة وكذلك مقابلته التي أجراها مع رأس النظام في سوريا بشار الاسد. إلا أن زيارته الاخيرة للأراضي الخاضعة لحكم تنظيم الدولة نقلت الجدل والنقاش حول أعماله إلى مستويات جديدة.
ففي صيف عام ٢٠١٤ تعرف يورغن وهو ابن الاربعة وسبعين عاما عبر السكايب على ألماني مسلم كان قد التحق بداعش في ما مضى، واستمرت محادثاتهم لسبعة شهور. يقول يورغن: "هالني حجم الدموية والاجرام في مخططات وخطاب تنظيم داعش، فقررت أن أعاين هذا التنظيم عن قرب وأتكلم مع قادته مباشرة بدون وساطة". حيث استطاع الالماني المسلم الذي التحق بداعش تأمين كتاب أمان ليورغن من أجل زيارة مناطق سيطرة داعش والتحدث مع قاداتها بشكل مباشر. تمت الزيارة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) لعام ٢٠١٤ واستمرت ١٠ أيام، غادر بعدها مناطق التنظيم إلى تركيا ثم إلى ألمانيا بسلام. شغلت التصريحات والصور التي نشرها يورغن عن تنظيم داعش العالم لشهور عديدة بعد ذلك. فقرر تسجيل انطباعاته في كتاب يمكن أن يصل لكافة جمهوره، فكان هذا الكتاب. يقع الكتاب في ٢٨٨ صفحة ويضم عشرة فصول. صدر عن دار بيرتلزمان في شهر أبريل (نيسان) لعام ٢٠١٥. الجديد في كتابه أنه يستند لمشاهداته المباشرة والمتحصلة لزيارته لمناطق سيطرة داعش مابين الرقة والموصل في نهاية عام ٢٠١٤، حيث يعد يورغن الصحفي الغربي الوحيد الذي زار مناطق سيطرة داعش بشكل رسمي وخرج منها سالما. شاركه في رحلته ابنه فريدريك البالغ من العمر واحد وثلاثين عاما والذي كان معارضا تماما لفكرة أبيه وخطته، لكنه ايضا لم يقبل أن يترك والده يذهب بمفرده بعدما تأكد أنه لن يتمكن من ثنيه عن السفر.
في الفصلين الاول والثاني يمهد الكاتب للقارئ الغربي ويقدم له بعض المعلومات الاساسية عن "نشأة تنظيم الدولة" وعن "السياسات الغربية" في الشرق الاوسط وأهدافها، ثم يسعى في الفصل الثالث "البحث عن الحقيقة" لشرح دوافعه لخوض غمار تلك المغامرة الخطيرة. فيضيف وهو القاضي السابق والنائب في البرلمان الالماني لمدة ١٨ عاما حتى عام ١٩٩٠، يقول شارحا دوافعه في أعماله كافة: "تعلمت من مهنتي عندما عملت قاضيا أن أستمع لجميع الاطراف".
ابتداء من الفصل الرابع "السفر إلى جبهة داعش" ينتقل يورغن إلى الاسلوب القصصي ويبدأ في سرد الاحداث والترتيبات التي قام بها من أجل القيام في رحلته. حيث يذكر تفاصيل المفاوضات والحوارات عبر السكايب مع الداعشي الالماني الذي أمن له في النهاية كتاب أمان من أبو بكر البغدادي وعليه ختمه يضمن له سلامته وسلامة الفريق المرافق له في رحلته داخل الاراضي الخاضعة لتنظيم الدولة. كما يضم الكتاب ٢٤ صفحة مليئة بالخرائط وبالصور.
في الفصول التالية يسرد المؤلف حواراته مع بعض القادة العسكريين هناك ويسرد مشاهداته في جولاته على الجبهات وفي السجون وفي المشافي والمدارس. كما أنه زار معسكر لتدريب الاطفال على السلاح واجتمع مع مقاتلين من كافة الدول الغربية. أكثر ما يميز هذه الاجزاء من الكتاب أنه استطاعت نقل صورة واقعية عن سير الحياة داخل الاجهزة التي تسيطر على السلطة في المناطق التي زارها، كما أنها تسجل شهادة حية عن أفكار وطموحات هؤلاء القادة وتعطي صورة جيدة عن طريقة تفكيرهم وبنيتهم النفسية. حيث يصفهم يورغن تودنهوفر بأن حماسهم كبير جدا ويؤيدون تنظيم الدولة بعنف بالغ. ويضيف "هناك وحشية لم أشاهدها من قبل في مناطق الحروب مثل أفغانستان والشيشان". أما عن سير الحياة في المناطق الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة فيقول المؤلف أنه تبدو طبيعية وعادية أكثر مما توقعت. إلا أنه في موضع آخر من الكتاب يوضح أن خوف الناس الذين أصبحوا فجأة رعايا تنظيم الدولة هو الذي يضبط الامن ويسمح لمجموعات صغيرة من التنظيم من السيطرة على مدن كبيرة نسبيا. وفي النهاية قد يبدو هذا الجزء من الكتاب أقرب إلى روايات الرعب أو روايات عالم الجريمة حيث تشد القارئ الغربي الذي يرغب بمعرفة المزيد عن هذا الآخر قاطع الرؤوس وغريب الاطوار، إلا أنها تتركه مع مشاعر مضطربة نتيجة الكم الكبير من التصورات العنيفة للممارسات الدموية التي تبقى في مخيلة القارئ.
يختم المؤلف كتابه برسالة إلى ابي بكر البغدادي يشكره فيها على التزامه بعهد الامان الذي أعطاه أياه ويطلب منه مراجعة تصرفات تنظيمه الوحشي وأفكاره المتطرفة التي لا تتفق مع الاسلام حيث أورد الكاتب بعض الآيات والاحاديث التي تتعارض والمماراسات المتطرفة للتنظيم. كما أجرى مقارنة بين الجرائم التي قام بها جورج بوش في العراق وبين جرائم داعش التي يراها أسوء من جهة النوع والتطرف وإن كانت لم تحصد معشار الأرواح التي حصدتها الحرب الامريكية على العراق. ثم يختم رسالته بنداء يوجهه لجميع محبين الدين الاسلامي يدعوهم للتبرأ من تنظيم الدولة لإنه أكبر خطر على الاسلام نفسه حسب الكاتب.
على الرغم من ان الكتاب يدور حول زيارة المؤلف لأراضي تنظيم الدولة، إلا أنه يحمل رسالة ضمنية بين السطور تنتقد السياسات الدولية والامريكية في التعاطي مع المنطقة وتحملها جزءا هاما من المسؤولية فيما آلت إليه الاوضاع بسبب تدخلاتها اللامسؤولة وبسبب ماضيها الاستعماري. ويبدو ذلك واضحا في قوله معلقا على هجمات داعش في أوروبا: "العنف الذي يضربنا اليوم هو ارتداد لحروبنا". وفي نفس الوقت يحمل الكتاب رسالة ضمنية للساسة الغربيين مفادها استحالة هزيمة هذا التنظيم بالحروب العسكرية، حيث يعتقد المؤلف أنه لا بد من رفع الظلم وإيجاد حلول لأزمة العدالة في المنطقة حتى يمكن بعد ذلك الحديث عن حلول مجدية.
رابط الكتاب على الامازون:
معلومات عن الكتاب:
عنوان الكتاب: "داخل داعش - عشرة أيام داخل الدولة الاسلامية"
الكاتب: الصحفي والسياسي الدكتور يورغن تودنهوفر
دار النشر: سي بيرتلزمان
تاريخ الطبعة الاولى: 27 أبريل 2015
عدد الصفحات 288
اللغة ألماني
لا ينصح بقراءته لمن لم يتجاوز عمره 16 سنة.